السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جيران وجارات القمر الأعزاء
لقد شَرَعْتُ أمس في قراءة كتاب ماذا علمتني الحياة ؟ للكاتب والمفكر المصري الدكتور جلال أمين ، والكتاب عبارة عن سيرته الذاتية ..
الشاهد من الكلام أنني لم استطع تجاوز المقدمة ؛ لأن فيها حكاية عن فيلم رآه ثم تبعه بتعليق له عليه ، فوقفت كثيرًا أتأملها وأعدتُ قرائتها أكثر من مرة
وإليكم نص كلامه الذي توقفت عنده :
" منذ سنوات كثيرة رأيت فيلمًا بولنديًا صامتًا لا يزيد طوله على عشر دقائق ، ظلت قصته تعود إلى ذهني من وقت لآخر ، وعلى الأخص كلما رأيت أحدًا من أهلي أو معارفي يصادف في حياته ما لا قِبل له برده أو التحكم فيه .
تبدأ القصة البسيطة بمنظر بحر واسع يخرج منه رجلان يرتديان ملابسهما الكاملة ، ويحملان معًا كل منهما في طرف دولابًا عتيقًا ضخمًا ، يتكون من ثلاث ضلف ، وعلى ضلفته الوسطى مرآة كبيرة ، يسير الرجلان في إتجاه الشاطئ وهما يحملان هذا الدولاب بمشقة كبيرة حتى يصلا إلى البر في حالة إعياء شديد ، ثم يبدآن في التجول في أنحاء المدينة وهما لا يزالان يحملان الدولاب ، فإذا أرادا ركوب الترام حاولا الصعود بالدولاب وسط زحام الركاب وصيحات الاحتجاج ، وإذا أصابهما الجوع وأرادا دخول مطعم حاولا دخول المطعم بالدولاب فيطردهما صاحب المكان .
لا يحتوي الفيلم إلا على تصوير محاولاتهما المستميتة في الاستمرار في الحياة وهما يحملان دولابهما الثقيل ، إلى أن ينتهي بهما الأمر بالعودة من حيث أتيا ، فيبلغان الشاطئ الذي رأيناه في أول الفيلم ، ثم يغيبان شيئًا فشيئًا في البحر ، حيث تغمرهما المياه وهما لا يزالان يحملان الدولاب .
منذ رأيت هذا الفيلم وأنا أتصور حالي وحال كل من أعرف وكأن كلا منا يحمل دولابه الثقيل ، يأتي معه إلى الدنيا ويقضي حياته حاملاً إيّاه دون أن تكون له أي فرصة للتخلص منه ، ثم يموت وهو يحمله . على أنه دولاب غير مرئي ، وقد نقضي حياتنا متظاهرين بعدم وجوده ، أو محاولين إخفاءه ، ولكنه قدر كل منا المحتوم الذي يحكم تصرفاتنا ومشاعرنا واختياراتنا أو ما نظن أنها اختياراتنا . فأنا لم أختر أبي وأمي أو نوع العائلة التي نشأت بها ، أو عدد إخوتي أو موقعي بينهم ، ولم أختر طولي أو قصري ، ولا درجة وسامتي أو دمامتي ، أو مواطن القوة والضعف في جسمي وعقلي . على كل هذا عليّ أن أحمله أينما ذهبت ، وليس لديّ أي أمل في التخلص منه . " انتهى كلامه
وتساؤلي هو :
هل شعرت يومًا أن لدولابك تأثير ذا بال في حياتك ؟
هل وقف حائلاً يومًا ما دون تحقيقك لشيء كنت تطمح إليه ؟
أم أنك وَطّنّت نفسك على وجوده وتكيفت معه ؟
أم لا زلت تحيا ناسيًا أو متناسيًا دوره ومدى تأثيره في حياتك ؟!
مع فائق تقديري واحترامي للجميع